الحسين بن علي أيقونة الثوار في العالم د. حيدر علي الاسدي تعد الثورة الإصلاحية التي قادها الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) ...
الحسين بن علي أيقونة الثوار في العالم
د. حيدر علي الاسدي
تعد الثورة الإصلاحية التي قادها الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) هي الأعظم على وجه التاريخ الإنساني لذلك أصبحت هذه الثورة الإصلاحية أيقونة ورمز يقتدى به على مر الحقب والازمان لما تحتويه من معالم وقيم ورمزية إنسانية خاصة لا يوجد لها مثيل او نظير في الاحداث والتضحيات نظراً لأروع الصور التي تمثلت معاني البطولة والايثار والتضحية والقيم الإنسانية المضحية من اجل الدين ومعنى الانتصار في خضم هذه القيم والدلالات التي قدمها الحسين واصحابه واهل بيته هناك في كربلاء فقد أصبحت لهذه الثورة رمزية في العديد من المفاهيم ولعل ابرزها ما يتجلى في معنى فلسفة الثورة لأنها تمثلت في الاحتجاج والرفض عبر ثورة صوت الحق بوجه الانحراف والزيف الذي كان يمثل السلطة الحاكمة آنذاك، والحسين لم يقل قولته الشهيرة : "وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب النجاح والصلاح في اُمّة جدّي محمّد، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر" الا لأنه ادرك ان القيم بدأت تتهاوى وان الزيف والباطل بات يغطي على كل مفاهيم العدالة والانصاف ولهذا الاعتقاد جذر ثوري متأصل في مفاهيم القادة الباحثين عن العدل والمساواة واحلال القيم الإنسانية والمفاهيم الدينية بدلاً من مفاهيم الفساد والجور والظلم والطغيان التي كانت سائدة آنذاك عبر شعار وسمه الثائر بالحق بالدحض (للأخر المفسد/ المتنفذ) والاستدامة العصرية في الفهم والتلقي (مثلي لا يبايع مثله) أي كل من هو مثل الحسين وعلى شاكلته وخطاه لا يبايع كل من يتمثل اخلاق اعداءه ويكون على شاكلتهم وهو خط رسمه الحسين بن علي للثوار والمحتجين والمنتفضين بأوجه الفساد المتنوعة ، لم تكُ تلك الثورة الحسينية عابرة او محط قيمة دنيوية مؤقتة او مصلحة فئوية راغبة بالملك والحاكمية على الاخرين بل الهدف الإصلاحي الاسمى كان هو شعار تلك الثورة الحسينية لذلك بقيت خالدة بكل قيمها الرمزية الى عصرنا الحالي، لذا نرى العديد من الثوار والمصلحين في العالم الحديث حاولوا استلهام رمزية الإمام الحسين بن علي والتأسي به وبأخلاقه الخاصة والاقتداء بثورته الاصلاحية ومدلولاتها التي تحث على الوقوف بوجه كل الانظمة الفاسدة الظالمة فهذا الثائر الكوبي (تشي جيفارا) يقول : على جميع الثوار في العالم الاقتداء بتلك الثورة العارمة التي قادها الزعيم الصلب الحسين العظيم والسير على نهجها لدحر زعماء الشر والاطاحة برؤوسهم العفنة. وكذلك نجد هذا التأثر في فكر الزعيم الصيني (ما وتسي تونغ) الذي قد ابدى اعجابه بالنهضة الحسينية قائلاً : "عندكم تجربة ثورية وانسانية فذة قائدها الحسين وتأتون إلينا لتأخذوا التجارب". ويقول الهندوسي والرئيس الاسبق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون بان هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد، وتذكر على الدوام .اما (توماس ماساريك) الذي كان سياسياً ورجل دولة وفيلسوف تشيكوسلوفاكي فهو يقول : على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين -عليه السلام- لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم. وكذلك يتجلى الاعجاب بهذه الشخصية الثورية في ادبيات (محمد زغلول باشا) وهو زعيم مصري وقائد ثورة 1919م في مصر وأحد الزعماء المصريين التاريخيين فهو يقول : " لقد أدى الحسين بعمله هذا، واجبه الديني والسياسي، وأمثال مجالس العزاء تربّي لدى الناس روح المروءة، وتبعث في أنفسهم قوّة الإرادة في سبيل الحقّ والحقيقة." اما (لياقت علي خان) اول رئيس وزراء باكستاني فقد تحدث عن رمزية هذه الثورة واستدامتها مبيناً: " لهذا اليوم من محرم مغزىً عميقاً لدى المسلمين في جميع أرجاء العالم؛ ففي مثل هذا اليوم وقعت واحدةٌ من أكثر الحوادث أُسىً وحزنًا في تاريخ الإسلام. وكانت شهادة الحسين مع ما فيها من الحزن مؤشر ظفر نهائي للروح الإسلاميّة الحقيقيّة، لأنّها كانت بمثابة التسليم الكامل للإرادة الإلهيّة. ونتعلّم منها وجوب عدم الخوف والانحراف عن طريق الحقّ والعدالة مهما كان حجم المشاكل والأخطار" وقد اثرت على الأخير هذه الروح الإصلاحية اذ عاد لياقت علي خان إلى الهند بلده الأم عام 1923 وانخرط في السياسة الوطنية وقد سعى الى اجتثاث ما رآه ظلمًا ومعاملةً سيئة للهنود المسلمين في ظل الحكومة البريطانية وممارساتها القمعية والتعسفية ، ان عالمية الثورة الحسين جعلت من العديد من المظلومين والثوار والباحثين عن الإصلاح يقتدون بالحسين بن علي وثورته العظيمة ويرفعون ذات الشعارات التي رفعها هذا الرجل (هيهات منا الذلة) وهو ما جعل تلك الشعارات الحسينية الإصلاحية الثائرة تترسخ في تجاربهم وعملهم الميداني من اجل محاولة البحث عن احقاق الحق وانتشار العدالة والمساواة وإزالة الظلم والجور من ربوع المعمورة او المساحات الجغرافية التي يتحركون في فضائها ضمن نطاق معطى قيمي مهم يتمثل بأيقونة ثورية تكون مرجعية ومداد لكل ثائر باحث عن الإصلاح في هذه المعمورة.