تداعيات تأخير تشكيل الحكومة العراقية على ديناميكية السوق العقاري الاستاذة فاطمة العامري يشهد العراق في كل دورة انتخابية حالة من الترقب وا...
تداعيات تأخير تشكيل الحكومة العراقية على ديناميكية السوق العقاري
الاستاذة فاطمة العامري
يشهد العراق في كل دورة انتخابية حالة من الترقب والجمود السياسي الناتج عن تأخر تشكيل الحكومة الجديدة، وهو مشهد بات يتكرر بدرجة تؤثر بشكل واضح على البيئة الاقتصادية العامة. ويأتي السوق العقاري في مقدمة القطاعات التي تتفاعل سريعًا مع هذا الاضطراب، نظرًا لارتباطه الوثيق بالاستقرار السياسي والمالي. فالاستثمار العقاري يُعد من أكثر أنواع الاستثمارات حساسية للتقلبات، لأنه يعتمد على توقعات مستقبلية طويلة الأمد. لذلك، فإن أي تأخير في تشكيل الحكومة يُقرأ من قِبل المستثمرين والمواطنين على أنه مؤشر لعدم وضوح السياسات المقبلة، فيتحول السوق إلى حالة انتظار وترقب تؤدي إلى تباطؤ التداولات وانخفاض الإقبال على الشراء أو البناء.
ويزداد حجم التأثير حين يتزامن التأخير مع غياب إقرار الموازنة العامة، إذ تتوقف أو تتراجع العديد من مشاريع الإسكان والبنى التحتية، كما تصبح المؤسسات المصرفية أكثر تحفظًا في منح القروض العقارية. هذا التقييد في تدفق السيولة يجعل حركة السوق محدودة، وتصبح الأسعار غير مستقرة، فتشهد بعض المناطق ارتفاعًا طفيفًا بسبب قلة العرض، بينما تتراجع الأسعار في مناطق أخرى نتيجة قلة الطلب. ويؤدي هذا التباين إلى حالة من عدم التوازن، تخلق مشهدًا عقاريًا غير واضح المعالم لحين استقرار الوضع السياسي.
ورغم هذه التحديات، لا يتعرض السوق العقاري في العراق لانهيار أو تراجع جذري، وذلك بسبب مجموعة من العوامل التي تمنحه قوة داخلية، أهمها النمو السكاني، والحاجة الدائمة للوحدات السكنية، واعتبار العقار ملاذًا آمنًا للمدخرات في ظل الأزمات الاقتصادية. ولهذا، فإن تأثير تأخير تشكيل الحكومة يكون غالبًا تأثيرًا مؤقتًا، يتمثل في ركود نسبي وتراجع في حجم التداول، لكنه لا يؤدي إلى اختفاء الطلب أو انخفاض كبير في القيمة السوقية. وبمجرد عودة الاستقرار السياسي ووضوح السياسات الحكومية، يعود السوق إلى نشاطه المعتاد بصورة تدريجية، مما يؤكد أن التأثيرات السياسية على العقار في العراق، مهما كانت كبيرة، تبقى محدودة زمنياً مقارنة بقوة الطلب الحقيقي في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، فإن قطاع العقار في العراق يرتبط أيضًا بثقة المغتربين والمستثمرين العرب، الذين يتابعون عن كثب الوضع السياسي لتحديد فرص الاستثمار. فالتأخير في تشكيل الحكومة يُضعف هذه الثقة مؤقتًا، مما يقلل من تدفق رؤوس الأموال الخارجية التي تُعد عنصرًا مهمًا في تنشيط المشاريع السكنية والتجارية. ومع ذلك، ما إن تتشكل الحكومة وتبدأ بإعلان برامجها الاقتصادية، حتى يعود الكثير من المستثمرين إلى دراسة السوق من جديد، لتبدأ دورة انتعاش تدريجية تعتمد بشكل أساسي على حجم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي توفره المرحلة الجديدة.
