العطش المر: (مستقبل المياه في العراق: الواقع والحلول والآثار، وأستراتيجية إدارتها حتى عام 2040): ● مركز النجف الأشرف للدراسات الأستراتيجية...
العطش المر:
(مستقبل المياه في العراق: الواقع والحلول والآثار، وأستراتيجية إدارتها حتى عام 2040):
● مركز النجف الأشرف للدراسات الأستراتيجية NCSS ..
منذ عقود تقوم تركيا بتخفيض حصص العراق من الإطلاقات المائية، وتقيم السدود العملاقة، أما بالنسبة إلى إيران فيبدو الأمر مشابهاً بشكل كبير، إلا أنهُ أقل تأثيراً أذ تم تغيير مسارات بعض الروافد التي تصب في نهر دجلة وبقية المساحات المائية المشتركة، وقد دفعت تلك السياسات المائية على مدى السنوات الماضية الباحثين والمتخصصين ومراكز الأبحاث إلى التحذير من كارثة كبيرة قد تصيب العراق، إذا استمر الأمر على هذا النحو، ووصلت حدود التحذيرات إلى إمكانية حدوث انخفاض غير مسبوق تاريخياً في مناسيب المياه في العراق في غضون العقدين المقبلين أيّ في عام 2040م ..
وعلى الرغم من اعتماد العراق بشكل تام على نهري دجلة والفرات وروافدهما في تأمين احتياجاته المائية، إلا أن كل الجهود الدبلوماسية منذ عام 2003 حتى الآن، لم تفلح في تغيير سياسات أنقرة في هذا السياق، يذكر أن 90% من منابع الأنهار التي تجري في العراق تأتي من خارج أراضيه، وأن إجمالي معدل استهلاك المياه في العراق يبلغ نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، في حين تقدر كمية مياه الأنهار في العراق في المواسم الجيدة سنويا بنحو (61) مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف بنحو (32) مليار متر مكعب، أما حالياً فتقدر كمية المياه الواصلة للعراق سنوياً ما بين (40 ــ 45) مليار متر مكعب، وهذه الكمية الواردة من المياه لا تحكمها الظروف المناخية مثلما يشاع بل الظروف السياسية والاقتصادية التركية، أذ تتحكم تركيا بالإيراد المائي السنوي حسب تصوراتها ومصالحها الخاصة ..
وفي شأن المخاطر المستقبلية في ما يتعلق بملف المياه في العراق، أشارت وزارة الزراعة العراقية إلى أن "الدراسة الاستراتيجية التي أجرتها الوزارة حول المياه والأراضي الزراعية، أن العجز في المياه سيصل إلى حدود 11 مليار متر مكعب سنوياً في عام 2040م ما ستكون له آثار حادة ..
● (تهديد السلم الأهلي العراقي):
سيناريوهات مستقبلية يمكن أن تحدث في حالة أن تناقصت حصص العراق المائية، ويتمثل ذلك التهديد في الأوجه التالية:
1ـ يتمثل تهديد السلم الأهلي تحديداً بين العشائر المعتمدة على الزرعة، فضلاً عن إمكانية أن يتسبب هذا الأمر في تحفيز محافظات للمطالبة بتكوين أقاليم للاستحواذ على حصص أكبر من المياه، حيث أن شح المياه "سيحفز الصراعات العشائرية على الأراضي والحصص المائية.
2ـ هناك احتمالية كبيرة بأن تتسبب تلك الأزمة خلال السنوات المقبلة في هجرة من الجنوب باتجاه الشمال، الأمر الذي سيمثل إشكالية تهدد الأمن القومي للبلاد، أي الهجرة من الريف إلى المدن، كالتي حدثت في العقد الأول من القرن الحالي، مما تسبب للعراق خسائر كبيرة في القطاع الزراعي وتصحر الأراضي الزراعية وزحف المناطق السكنية على حساب الأراضي الزراعية.
3ـ كذلك قد يؤدي الصراع على الحصص المائية بـ"تحفيز عدد من المحافظات على الدفع في اتجاه إنتاج إقليم جديد وإيجاد حجج وذرائع لذلك، في محاولة للاستيلاء على حصص أكبر من المياه داخلياً"..
● (الحلول الآنية لاستثمار ما متوفر من مياه والعمل على استزادتها وإيقاف الهجرة):
1ــ ضرورة تنويع مجالات الاستثمار في الزراعة من خلال توفير قروض ميسرة بلا فوائد للمشاريع الزراعية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة التي تستخدم التقنيات وأساليب المكننة الحديثة التي تضمن زيادة الإنتاج وتخفيض التكاليف لتجاوز مشكلة شح المياه.
2ــ هناك سياسات أخرى ضرورية من قبل الحكومة يجب اتباعها، منها سياسة الإسكان في المناطق الريفية بإنشاء مجمعات سكنية أفقية حيث تتوفر الأراضي الشاسعة التي من شأنها خلق أسواق تجارية وفرص عمل كبيرة تسهم بالحد من الهجرة الريفية.
3ــ أن الأستراتيجية الإسكانية تسهم أيضا بهجرة عكسية من المدن نحو الريف في حال قامت الحكومة بمنح أراض مجانية للمواطنين وتوفير قروض لبنائها بالمناطق الريفية، مع إنشاء مجمعات ترفيهية عن طريق الاستثمار ..
● (رؤى استراتيجية لإدارة ملف المياه مع تركيا وإيران):
تجاوز الأزمة المائية ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى جهود كبيرة من قبل مختصين في الموارد المائية وفي العلاقات الخارجية مع دول المنبع، اذ لابد من إجراء المباحثات بين الدول المعنية وبوجود وسيط دولي يتم اختياره بتوفر بعض الشروط المهمة به، مثل قدراته المالية والتكنولوجية، وسلطته أو تأثيره السياسي على الصعيد العالمي، لكي يتمكن من خلالها من مساعدة الدول المتحاورة، وتتوفر هذه الشروط ببعض المؤسسات أو الدول مثل البنك الدولي، والامم المتحدة التي من الضروري ان تعمل على احتواء الازمات المستقبلية التي تسببها المياه المشتركة للدول بإعتبارها المسؤولة عن الامن الدولي، وان الدول تعتبر المياه ضمن امنها القومي والاقتصادي، وايضا يمكن ان نعتبر الولايات المتحدة الامريكية من احدى الوسائط التي من الممكن ان تساهم في تقديم المساعدة للدول المتحاورة، لما تملكه من تأثير سياسي على الصعيد العالمي
ويمكن توظيف هذه المباحثات في كسب الملف لصالح العراق من خلال تقديمه أمورا تحفز الجانب التركي والايراني على المشاركة الفعلية، مثل إعطاء تركيا او ايران ما تحتاجه في تطوير وتنفيذ مخططاتها التنموية كسعر مخفضا للنفط المستورد من العراق، او السماح بزيادة صادرات الجانب الايراني الى العراق، حيث إن كافة الاجتماعات منذ السبعينات لم تجد نفعا وكانت مشاركة تركيا فيها لرفع العتب كما يقال ..
لذا أن الدول المتشاطئة؛ عليها إعداد خطة استراتيجية لإدارة المياه على أن يتم تنفيذ هذه الخطة بغض النظر عن التغيرات السياسية وغيرها، ويمكن ان نقدم نموذجا لرؤية استراتيجية ناجحة في ادارة المياه، اذ يتوجب يجب مشاركة كافة القطاعات المعنية كالخبراء والاستشاريين والجامعات والوزرات ذات العلاقة كالزراعة مثلًا والمنظمات غير الحكومية المعنية وممثلي المنظمات الدولية في تقديم المقترحات والدراسات التي من شأنها انجاح هذه الاستراتيجية، كما لابد من إعادة تأهيل المؤسسات المعنية بالمياه وتحديث محطات التنقية وشبكات الري وتوزيع المياه، وان لوضع برنامج توعية جماهيرية وكذلك برنامج تدريب وتطوير الكوادر الفنية والإدارية للعاملين في هذه المؤسسات، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال المياه من خلال وضع خطة تعاون واضحة مع الوزارات الأخرى ذات العلاقة، علاوة على ذلك ان التعاون الدولي والإقليمي ضروري في هذه الاستراتيجية، فإنه لابد من الاستفادة من المنظمات الدولية والإقليمية في مجال إدارة واستثمار الموارد المائية ..
أن هناك استراتيجيات اخرى يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في ادارة ملف المياه المشتركة مع دول جوار العراق، وهي استراتيجيات تعمل من خلال البحث والتطوير كإجراء البحوث العملية بغية الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة واستخدام الملائم منها، وتوفير كافة المعلومات ذات العلاقة والسماح للباحثين وطلبة الدراسات العليا باستخدامه، لتشخيص المشاكل المائية والمساهمة في إيجاد الحلول لها، وفي حال فشل هذه الاستراتيجيات في تحقيق الامن المائي للعراق، فإن ضرورة اللجوء الى تبني استراتيجيات ردع من قبل العراق لابد منها، فالمادة 36 من ميثاق مجلس الامن الدولي تخول المجلس التدخل في اي مرحلة من مراحل النزاع بين الدول واصدار قرارات ملزمة لكل الأطراف، وفرض وساطة دولية لتجنب اي صراع ممكن، ويمكن للعراق ان يستند في خياره القانوني على هذه المادة في الضغط على دول المنبع في حال حدوث توترات مستقبلية اكثر حدة في ملف المياه، كما يمكن للعراق ان يستعمل الورقة الاقتصادية كخيار آخر لمواجهة السياسات المائية مع الدول المتشاطئة بما فيها النفط، اضافة الى توظيف وربط مسألة التبادل التجاري الميال لصالح العراق بالسياسات المائية باعتباره مصدرا مهما في تصريف سلع وبضائع دول المنبع، ولا نستبعد امكانية دخول العراق في تحالفات مع دول تدعم حفاظ العراق على أمنه المائي مما ينعكس ذلك على أمنه القومي وعلى استقرار الامن الاقليمي ..
● (أهم التوصيات في إدارة المياه العراقية المشتركة مع تركيا وإيران):
أصبح الأمن المائي العراقي والعربي تحت رحمة قوى خارجية تتحكم الى حد كبير في مصيرنا، ذلك ان مصادر المياه ومنابعها هي خارج البلاد العربية، ويزيد من خطورة هذه المشكلة غياب استراتيجية أمنية عربية لحماية هذه الثروة القومية ..
ويرى العراق انه الأكثر تضرراً من نقص المياه سواء بحكم موقعه الجغرافي كدولة مصب، أو من أثر التغيرات المناخية او المشروعات والسدود المائية في كل من سوريا وتركيا، ويرى العراق انه قد تضرر من البروتوكول الموقع بين سوريا وتركيا عام ١٩٨٧، حيث لم تتجاوز حصته عن (9) مليار متر مكعب سنوياً، وهذا يمثل نصف الحد الادنى للاحتياجات العراقية، وفي الوقت ﻧفسه لا يوجد اتفاق بين سوريا والعراق حول توزيع نسبي لما يبقى من مياه الفرات.
وقد وصى العديد من الباحثين والمهتمين في مشكلة الامن المائي العراقي بتوصيات عدة وهي تقاسم مياه دجلة والفرات، وهذا الأمر يتطلب التعاون بين البلدين في توزيع هذه الثروة المائية، لأن انعدام الثقة المتبادلة قد يولد توتراً ونزاعا، كذلك ايجاد مشاريع مائية زراعية بين العراق وسوريا وتركيا وايضا ايران بهدف ضمان استمرار تدفق المياه الى سوريا والعراق وبكميات مناسبة، ويضاف الى ذلك العمل عل تكليل عوامل ضغط في مجال العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية لغرض التأثير عل الموقف التركي والدفع به باتجاه التجاوب لتحقيق المصالح المشروعة مع العراق في المياه المشتركة ..
كما ان قضية المياه بين سوريا والعراق تعد قضية اساسية ليس لأنهما دولتان عربيتان فحسب بل لأنهما تتخذان الموقف نفسه ازاء السياسة المائية التركية، فهما يتأثران التأثر نفسه بالسياسة التركية ازاء المسألة المائية، ومن ثم فإن التنسيق السوري العراقي هي مسألة مهمة وضرورية كونهما دولتي مجرى ومصب، وبخاصة ان الأمن المائي العراقي هو أكثر التصاقاً بالأمن المائي السوري نظراً لاشتراك كلا البلدين في أهم حوضين مائيين في المشرق العربي وهما حوض نهر الفرات وبشكل اقل حوض نهر دجلة، كما ان سوريا والعراق يشك ل كل منهما عمقا استراتيجياً للآخر
والتأكيد على الربط العضو بين الأمن المائي والأمن الغذائي بوصفهما الوسيلة الفعالة في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة والتي تهدف الى تحقيق أعلى مستوى في الاكتفاء الذاتي، وتفعيل عمل اللجنة الفنية للمياه الدولية المشتركة بين العراق وتركيا وسوريا للإسراع في التوصل الى قسمة عادلة للمياه المشتركة بين الدول الثلاث، وايضا التمسك بحقوق العراق المائية التاريخية والقانونية وعدم التفريط فيها والدفاع عنها شأنها شأن أي شبر من الأرض العراقي ...