مشروع الطاقة الشمسية في العراق وإيجابياته الأستاذة صبى عبد الواحد يُعَدُّ قطاع الطاقة من أبرز التحديات التي يواجهها العراق في المرحلة الرا...
مشروع الطاقة الشمسية في العراق وإيجابياته
الأستاذة صبى عبد الواحد
يُعَدُّ قطاع الطاقة من أبرز التحديات التي يواجهها العراق في المرحلة الراهنة، نتيجة الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري، وتدهور البنية التحتية لشبكات الكهرباء، واستمرار الانقطاعات المزمنة التي أثّرت سلبًا على حياة المواطنين وعلى نمو القطاعات الاقتصادية والخدمية. وفي ظل هذه الظروف، بدأت الأنظار تتجه نحو مصادر الطاقة المتجددة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية، كحل استراتيجي ومستدام لسد العجز في إنتاج الكهرباء. ويُعد العراق من الدول ذات الإمكانات العالية في هذا المجال، حيث يتمتع بمعدلات سطوع شمسي من بين الأعلى في العالم، ما يجعله بيئة مثالية للاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية.
تشير الدراسات البيئية والفنية إلى أن العراق يحظى بمتوسط سطوع شمسي يتراوح بين 280 إلى 330 يومًا مشمسًا سنويًا، وهي نسبة كفيلة بإنتاج كميات ضخمة من الكهرباء النظيفة في حال تم استغلالها بالشكل الصحيح. وقد بدأت الحكومة العراقية مؤخرًا في إدراك أهمية الطاقة المتجددة، فأطلقت مبادرات وشراكات مع شركات عالمية ومحلية لإنشاء محطات للطاقة الشمسية، لا سيما في محافظات الجنوب مثل المثنى والبصرة وذي قار، التي تتمتع بكثافة إشعاع شمسي مرتفعة. كما وضعت وزارة الكهرباء خططًا لزيادة حصة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة الوطني، في محاولة جادة للتقليل من الاعتماد المفرط على محطات الوقود الأحفوري التي تعاني من تكرار الأعطال وارتفاع تكاليف التشغيل.
ومن أبرز إيجابيات مشاريع الطاقة الشمسية في العراق أنها توفر مصدرًا دائمًا ومستقرًا للكهرباء لا يعتمد على الوقود المستورد أو الظروف الجيوسياسية المتقلبة. فبخلاف محطات الكهرباء التقليدية، فإن محطات الطاقة الشمسية لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء أو الوقود لتشغيلها، ولا تنتج عنها انبعاثات كربونية، مما يسهم في تقليل التلوث البيئي، خصوصًا في المدن الكبرى التي تعاني من نسب تلوث مرتفعة نتيجة الانبعاثات الصناعية ومحطات الوقود. إلى جانب ذلك، تسهم هذه المشاريع في تخفيف العبء على شبكة الكهرباء الوطنية، من خلال توزيع وحدات إنتاج الكهرباء على مستوى محلي في القرى والمناطق النائية، مما يقلل من الفاقد الكهربائي ويحسن من كفاءة التوزيع.
كما أن التوجه نحو الطاقة الشمسية يحمل أثرًا اقتصاديًا مهمًا؛ إذ يفتح أبوابًا جديدة للاستثمار المحلي والدولي، ويخلق فرص عمل واسعة في مجالات التركيب والصيانة والتدريب الفني، ويعزز من قدرات الكوادر العراقية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. كما تساعد مشاريع الطاقة الشمسية على خفض التكاليف التشغيلية للحكومة، إذ أن تكلفة إنتاج الكهرباء من الشمس آخذة في الانخفاض عالميًا، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا منافسًا على المدى الطويل.
من الجانب الاجتماعي، تساهم مشاريع الطاقة الشمسية في تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، من خلال توفير الكهرباء بصورة أكثر انتظامًا، خاصة في المناطق المحرومة أو التي تعاني من ضعف الخدمة. كما يمكن استخدام هذه الطاقة في تشغيل مشاريع صغيرة، مثل مضخات المياه الزراعية، ومحطات تحلية المياه، والمصانع الصغيرة، مما يدعم التنمية الريفية ويقلل من الهجرة نحو المدن.
على الرغم من هذه الإيجابيات الكبيرة، إلا أن العراق لا يزال في بداية الطريق، ويحتاج إلى وضع إطار تشريعي وتنظيمي واضح يشجع الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، ويضمن شفافية التعاقدات، ويذلل العقبات الإدارية والمالية. كذلك، فإن التوعية المجتمعية بأهمية الطاقة النظيفة تلعب دورًا حاسمًا في تبني هذه التقنية على نطاق أوسع، سواء على مستوى الدولة أو الأفراد.
في الختام، يمكن القول إن الطاقة الشمسية تمثل أملًا حقيقيًا لمستقبل العراق الطاقي والبيئي والاقتصادي. ومع تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية والدولية، يمكن تحويل هذه المشاريع من مجرد خطط ورقية إلى واقع ملموس يسهم في بناء عراق مستقر، نظيف، ومزدهر.