تمليك الأراضي ذات الجنس المالي للعراقيين للاستثمار في محافظة البصرة: دراسة تحليلية بين الإيجابيات والسلبيات فاطمة حسين العامري تُعد محافظ...
تمليك الأراضي ذات الجنس المالي للعراقيين للاستثمار في محافظة البصرة: دراسة تحليلية بين الإيجابيات والسلبيات
فاطمة حسين العامري
تُعد محافظة البصرة من أهم المحافظات العراقية ذات الثقل الاقتصادي الاستراتيجي، فهي تمثل الرافد الأكبر لاقتصاد العراق عبر موانئها وثرواتها النفطية والزراعية. وفي إطار المساعي الحكومية لدعم الاستثمار الوطني، برزت سياسة تمليك الأراضي ذات الجنس المالي للعراقيين كأداة رئيسية لتشجيع إقامة المشاريع الاستثمارية التي تسهم في تنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة. غير أن هذه السياسة، رغم إيجابياتها الظاهرة، تثير في الواقع تساؤلات حول التوازن بين منافعها ومخاطرها، ما يتطلب دراسة تحليلية معمقة لقياس مدى نجاحها في تحقيق التنمية المستدامة، خاصة في بيئة استثمارية تحتاج إلى الحوكمة الرشيدة والشفافية.
تستند عملية تمليك الأراضي ذات الجنس المالي في العراق إلى عدد من القوانين الرئيسية، منها قانون الاستثمار العراقي رقم (13) لسنة 2006 (المعدل) الذي يمنح المستثمر العراقي الحق في تملك الأراضي لإنشاء المشاريع الاستثمارية، وقانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم (21) لسنة 2013، الذي ينظم بيع أو إيجار الممتلكات الحكومية وفق شروط محددة، إلى جانب تعليمات ولوائح تصدرها هيئة استثمار البصرة، الجهة المشرفة على تخصيص الأراضي للمشاريع. ووفق هذه الأطر، يتم تمليك الأراضي بناءً على تقديم دراسة جدوى اقتصادية، والحصول على موافقات الجهات المختصة، مع الالتزام بتنفيذ المشروع ضمن مدد زمنية محددة وتحت رقابة حكومية. أتاحت سياسة تمليك الأراضي فرصًا حقيقية للمستثمرين العراقيين للدخول في مشاريع إنتاجية كانت الدولة تحتكرها سابقًا، وقد شهدت محافظة البصرة بفضل هذه السياسة نشوء مشاريع في مجالات الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية، مما ساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية. وساهمت هذه المشاريع في خلق فرص عمل جديدة، حيث إن المشروع الاستثماري على مساحة متوسطة يمكن أن يوفر العشرات من الوظائف المباشرة، فضلًا عن الوظائف غير المباشرة المرتبطة بسلاسل التوريد. كما أن الفائدة لا تقتصر على ثمن الأرض، بل تمتد إلى تحقيق إيرادات طويلة الأجل للدولة عبر الضرائب والرسوم، إلى جانب رفع قيمة الأراضي المجاورة للمشاريع. ومن الإيجابيات كذلك، مساهمة المستثمرين في تطوير البنى التحتية من خلال التزاماتهم بتوفير خدمات كالمياه والكهرباء والطرق، مما يرفع من مستوى الخدمات في المناطق المحيطة. كما أن استغلال الأراضي المهملة يقلل من ظاهرة العشوائيات والتجاوزات، والتي تُعد من المشكلات المزمنة في البصرة. ورغم هذه الإيجابيات، إلا أن هناك سلبيات لا يمكن تجاهلها. إذ برزت ظاهرة المضاربة العقارية، حيث يعمد بعض المستثمرين إلى الحصول على الأراضي بأسعار رمزية، ثم يعيدون بيعها دون تنفيذ مشاريع حقيقية، مما يؤدي إلى تضخم وهمي في الأسعار. كما أن التلكؤ في تنفيذ المشاريع يمثل تحديًا كبيرًا، حيث تشير تقارير رسمية إلى أن نسبة غير قليلة من الأراضي لم تشهد تنفيذًا فعليًا للمشاريع المخطط لها ضمن الإطار الزمني المحدد. ويُضاف إلى ذلك ضعف آليات الرقابة والمتابعة، إذ أن قلة الإمكانيات أو ضعف الإرادة أحيانًا يحول دون ضمان التزام المستثمرين بتنفيذ تعهداتهم. كذلك، فإن تحويل جنس الأرض من صناعي إلى تجاري أو سكني يتم أحيانًا بدون ضوابط قانونية واضحة، مما يسبب فوضى في التخطيط العمراني. ومن المخاطر الأخرى احتكار بعض المستثمرين الكبار لمساحات شاسعة من الأراضي، الأمر الذي يحرم صغار المستثمرين من فرص عادلة ويكرّس الفوارق الطبقية والاقتصادية في المجتمع. عند إجراء مقارنة تحليلية بين الإيجابيات والسلبيات، يتبين أن الإيجابيات تبقى أعلى وأقوى، بشرط وجود نظام رقابي صارم يمنع التجاوزات ويضمن استمرارية المشاريع الإنتاجية. وبالتالي، فإن نجاح سياسة تمليك الأراضي في محافظة البصرة مرهون بتطبيق عدد من الإجراءات التصحيحية، من بينها وضع معايير دقيقة لاختيار المستثمرين الجادين، وفرض غرامات مالية على المتلكئين، وسحب الأراضي من غير الملتزمين، وتشجيع الشفافية من خلال نشر تقارير دورية عن نسب الإنجاز، بالإضافة إلى تطوير آليات التخطيط الحضري للحد من تغيير استعمالات الأراضي. وفي الختام، فإن الاستثمار الحقيقي لا يقوم فقط على تمليك الأرض، بل يعتمد بالأساس على الالتزام والتنفيذ الفعلي، بما يحقق التنمية المستدامة ويخدم المصلحة العامة للمجتمع والدولة.