Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE
latest

هل كلنا (سيزيف) ؟

        هل كلنا (سيزيف) ؟ الدكتور صلاح حمادي الحجاج     بالبدءمن هو (سيزيف)؟.. إنه ذاك الرجل الذي  غضبت عليه الآلهة، لا لأنه قتل أو خان أو...

 


      هل كلنا (سيزيف) ؟

الدكتور صلاح حمادي الحجاج

    بالبدءمن هو (سيزيف)؟.. إنه ذاك الرجل الذي  غضبت عليه الآلهة، لا لأنه قتل أو خان أو سرق بل لأنه فكّر فخدع الموت مرّتين، وسخر من النظام الإلهي، وتجرأ أن يعلو فوق قدره فكان عقابه أبديًا أن يدفع صخرة هائلة إلى قمة جبل، وما إن يبلغ القمة حتى تتدحرج إلى أسفل، فيعود ليبدأ من جديد ، بلا نهاية، بلا راحة، بلا معنى هكذا أراده  ( البيركامو) الفيلسوف الفرنسي ان يكون رمزًا للعبث واللاجدوى ، فهل صار سيزيف جزءًا من وعينا الحديث؟.

        لكن مهلاً .. اذا جردنا الأسطورة من مضمونها الديني او المعنى الوجودي الاخر، نلاحظ اننا بشكلٍ أو بآخر ندفع صخرتنا الخاصة وبصورة مستمرة، فهل يختلف موظف او عامل او كاسب يمضي عمره في روتين مفرغ من المعنى والاجتهاد ، عن (سيزيف)؟ وهل يختلف الطالب الذي يحفظ ليُنسى أو المفكر الذي يكتب ليُهمل، هل تختلف المجتمعات التي تعيد إنتاج أزماتها، من دون أفق عن هذا البطل الإغريقي الملعون، ففي الأسطورة، تبدو الصخرة مجرد أداة عقاب الا - نهائي لكن في واقعنا الان تحوّلت إلى قدرٍ يومي.


     وفي الحقيقة نحن لا ندفع صخرة واحدة، بل صخورًا متعددة: صخرة البطالة، صخرة التكرار والملل، صخرة الانتظار والكسل وصخرة النفاق والدجل وصخرة الصمت الطويل أمام واقع لا يتغير بل نفسه يتكرر، ففي كل صباح  نبدأ من جديد، كما لو أن البارحة لم يكن. نعيد طرح الأسئلة ذاتها ونضع  الحلول ذاتها، لنحصد النتائج ذاتها، لكن ما الذي يجعلنا نستمر؟ هل هو الأمل؟ أم التكيّف؟ أم وهم التغيير؟ أم أن الإنسان في جوهره كائن (سيزيفي) لا يملك إلا أن يواصل الدفع كي لا يفقد وهم المعنى ووهم الوصول؟.

      (البير كامو) قال ذات مرة "يجب أن نتخيل سيزيف سعيداً" وهذا التخيل الكارثي يحدثلأن الوعي بالعبث هو ما يمنح الفعل معناً مزيفاً جديداً ربما يمنح بعض الارتياح، لا بوصفه أداة خلاص ونهاية المعاناة، بل  بوصفه موقفًا وجوديًا فقط، وفي حين نعي عبث الصخرة، يصبح اختيارنا لدفعها نوعًا من التمرد، لكن هل يمكننا نحن أبناء المجتمعات المتعبة، أن نتوقف عن دفع الصخرة؟ هل يمكن أن نكسر الروتين؟ أن نعيد تعريف الجبل ونغير مساره ، وأن نذيب الصخرة ونحولها الى امل في نور المعنى.

       ربما آن الأوان أن نعيد النظر لا في  حملنا (صخرتنا)  بل في علاقتنا بها، ليس من اجل الخلاص منها  ورميها، بل في فهمها واحتوائها بوصفها  مصيرٌ حتمي، والتساؤل هل كُتب علينا أن نعيش في دائرة لا فكاك منها؟ أم أننا نملك – ولو بقدر ضئيل – أن نختار صخرتنا؟ وان نحدد حجمها ووزنها ولونها  وأن نمنحها شكلاً ومعنى؟ ربما لم نُختر، بل نحن الذين اخترنا، دون وعي، هذه الصخور التي نحملها. وربما البعض منا، حين تتدحرج الصخرة لا يشعر بالهزيمة بل بالراحة، لأن الحمل مؤقتاً زال فمتى يخف ثقلها؟ متى يتوقف دورانها؟ متى تستقر في مكانها؟ وإذا ما وصلت القمة فعلاً، هل تنتهي المعاناة؟ أم أن الإنسان – وقد اعتاد الحمل – يبحث تلقائيًا عن صخرةٍ جديدة؟ 

      نحن لا نحيا فقط بصخرتنا، بل نُعرَف بها وهنا تكمن المفارقة: هل نبحث عن معنى، أم أننا نمنحه لما هو بلا معنى؟ وهل الحرية تكمن في إسقاط الصخرة، أم في الوعي بها ونحن نواصل الدفع؟.

        في  الختام لعل السؤال الأهم ليس: كيف نتخلص من الصخرة؟ بل: كيف نعيش معها، دون أن ننسى أننا نحن من ندفع وليس  الصخرة هي من تدفعنا.. فنحن لسنا (سيزيف) الا في حال أردنا ذلك.