حرب التنازلات!! كتبها / حمزة الطائي في زمنٍ كانت فيه الحروب تُخاض بالسيوف والبنادق، بتنا اليوم نخوض حربًا من نوعٍ آخر: حرب التنازلات. حرب...
حرب التنازلات!!
كتبها / حمزة الطائي
في زمنٍ كانت فيه الحروب تُخاض بالسيوف والبنادق، بتنا اليوم نخوض حربًا من نوعٍ آخر: حرب التنازلات. حربٌ لا يُسمع فيها صوت المدافع، بل صوت التأوهات، والخذلان، وصدى كلمة "مو مهم، خلّي نمشيها".
كلّ شيء بدأ صغيرًا. تنازلنا عن موقف بسيط، عن مبدأ بسيط، عن حق بسيط، فابتسم الظلم وقال: "لقد كسبت أولى المعارك". لم ندرك حينها أن التنازل الأول هو البذرة التي تُثمر تنازلات متتالية، حتى أصبحنا نفاوض على ما لا يُفاوض عليه، ونساوم على ما لا يُساوَم.
في السياسة، نرى المسؤول يتنازل عن وعوده مقابل كرسيّه. وفي العمل، يتنازل الموظف عن كرامته مقابل راتبٍ بالكاد يكفيه أسبوعًا. وفي العلاقات، يتنازل الإنسان عن ذاته خوفًا من الوحدة. وهكذا، أصبح التنازل هو العملة الرسمية في سوق الحياة.
لكن أخطر ما في هذه الحرب، أنها لا تُعلن، ولا تُخاض بجيوش، بل بخطوات هادئة نحو التراجع. التنازل عن اللغة، عن الهوية، عن المبادئ، عن الشجاعة في قول "لا". كلّ ذلك جعل من المجتمع نسخةً باهتة عن نفسه.
والأسوأ من ذلك؟ أننا بدأنا نتفاخر بتنازلاتنا، كأننا نقول: "شوفوني شلون متواضع، ساكت، متقبل". لا يا عزيزي، هذا ليس تواضعًا، بل انسحابٌ بلباس التهذيب.
فهل نحن مستعدون للاستيقاظ من سبات التبرير؟ أم سنظل نضع الأقنعة على التراجع ونسمّيه "مرونة" أو "ذكاء اجتماعي"؟
إن حرب التنازلات لا تُكسب أبدًا، بل كلّ معركة نخسر فيها تُقرّبنا خطوة من فقدان أنفسنا بالكامل. آن الأوان أن نقول: "يكفي"، أن نرسم حدودنا، أن نُعيد تعريف الكرامة قبل أن تُمحى من القاموس